بسم الله الرحمان الرحيم
قال الزبرقان بن بدر :
نحن الكِرام فلا حي يعادلنا * منا الملوك وفينا تنصب البيع
وكم قسرنا من الأحياء كلهم * عند النِّهاب وفضل العز يُتَّبع
ونحن يطعم عند القحط مطعمنا * من الشواء إذا لم يؤنسِ القَزعُ
بما ترى النَّاس تأتينا سُرَاتُهم * من كل أرض هوياً ثم نُصطنِعُ
فننحر الكوم غبطاً في أرومتنا * للنازلين إذا ما أُنزلوا شَبعوا
فما ترانا إلى حيٍ نُفاخرهم * إلا استفادوا وكانوا الرَّأس تُقتطعُ
فمن يُفاخرنا في ذاك نعرفَه * فيرجع القوم والأخبار تُستمعُ
إنَّا أبينا ولم يأبى لنا أحدٌ * إنَّا كذلك عند الفخرِ نرتفعُ
فأجاب حسان:
إنَّ الذَّوائب من فَهرٍ وأخوتهم * قد بيَّنوا سنةً للنَّاس تتبعُ
يرضى بها كل من كانت سريرتُهُ * تقْوى الإله وكلَّ الخير يصطنعُ
قومٌ إذا حاربوا ضرَّوا عدوهم * أو حاولوا النَّفع في أشياعهم نفعوا
سجيةُ تلك منهم غير محْدثةٍ * إنَّ الخلائق فاعلم شرها البدعُ
إنْ كان في النَّاس سبَّاقون بعدهمُ * فكل سبْقٍ لأدنى سبْقهم تبعُ
لا يرفع النَّاس ما أوهت أكفُّهمُ * عند الدِّفاع ولا يوهون ما رقعوا
إنْ سابقوا النَّاس يوماً فاز سبْقهمُ * أو وازنوا أهل مجدٍ بالنَّدى مَنعوا
أعفةٌ ذكرت في الوحي عفَّتهم * لا يَطمعون ولا يُردِيهمُ طمعُ
لا يبخلون على جارٍ بفضلهمُ * ولا يمسُّهم من مطمعٍ طبعُ
إذا نصبنا لحيٍّ لم ندّب لهم * كما يدّب إلى الوحشية الذرعُ
نسموا إذا الحرب نالتنا مخالبها * إذا الزَّعانف من أظفارها خشعوا
لا يفخرون إذا نالوا عدوهم * وإن أصيبوا فلا خور ولا هلعُ
كأنهم في الوغى والموت مكتَنِع * أُسدٌ بحلية في أرساعها فدعُ
خذْ منهم ما أتوا عفواً إذا غضبوا * ولا يكن همُّك الأمر الذي منعوا
فإن في حربهم فاترك عداوتهم * شرَّاً يخاض عليه السُّمُّ والسلعُ
أكْرم بقوم رسول الله شيعتهمْ * إذا تفاوتت الأهواء والشّيعُ
أهدى لهم مدحتي قلبٌ يؤازره * فيما أحب لسان حائكٍ صنع
فإنهم أفضل الأحياء كلِّهمُ * إن جدَّ في النَّاس جدُّ القول أو شمعوا
فقال الزبرقان :
أتيناك كيمَا يعلم النَّاس فضلنا * إذا اختلفوا عند احتضار المواسم
بأنَّا فروع النَّاس في كل موطنٍ * وأن ليس في أرض الحجاز كدارمِ
وأنَّا نذود المعلمين إذا انتخوا * ونضرب رأسَ الأصيد المتفاقمِ
وإنَّ لنا المِرْباعُ في كل غارة * تغيَّر بنجد أو بأرضِ الأعَاجم
فقام حسان فأجابه فقال:
هل المجد إلا السُّؤدد العود والنَّدى * وجاهُ الملوكِ واحتمال العظائم
نصرنا وآوينا النَّبيّ محمداً * على أنف راضٍ من معدٍ وراغم
بحي حريد أصله وثراؤه * بجَابية الجولان وسط الأعاجمِ
نصرناه لما حلَّ بين بيوتنا * بأسيافنا من كل باغٍ وظالمِ
جعلنا بنينا دونه وبناتنا * وطِبْنا له نفساً بفيءِ المغانمِ
ونحن ضربنا النَّاس حتَّى تتابعوا * على دينه بالمرهفات الصَّوارم
ونحن وَلدنا من قريش عظيمها * ولدنا نبي الخير من آل هاشمِ
بني دارمٍ لا تفخروا إنَّ فخركم * يعود وبالاً عند ذكر المكارمِ
هَبِلْتُم علينا تفخرون وأنتمُ * لنا خول من بين ظِئْرٍ وخادمِ
فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم * أموالكم أن تُقسموا في المقاسم
فلا تجعلوا لله ندَّاً وأسلموا * ولا تلبسوا زيَّاً كزيِّ الأعاجم
....